الكتاب المسيحيابائيات

ملخص كتاب خضوع الإبن للآب للقديس غريغوريوس النيسي – امجد بشارة

ملخص كتاب  خضوع الإبن للآب للقديس غريغوريوس النيسي – امجد بشارة

ملخص كتاب خضوع الإبن للآب
ملخص كتاب خضوع الإبن للآب

ملخص كتاب  خضوع الإبن للآب

للقديس غريغوريوس النيسي

 امجد بشارة

انواع الخضوع :

لقد تأكدت من خلال قراءة الكتاب المقدس، أن لهذه التعبير أهمية كبيرة ولا يُعبّر عن معنى واحد في كل الأحوال، لكنه تارة يعنى شيئًا، وتارة أخرى يعنى شيئًا آخر. على سبيل المثال يقول الكتاب: ” والعبيد أن يخضعوا لسادتهم” . وبالنسبة للطبيعة غير العاقلة، فقد وضعها الله تحت سلطان الإنسان، يقول عنها النبى: “جعلت كل شئ تحت قدميه” . ومن جهة هؤلاء الذين خضعوا في الحروب يقول ” نُخضع الشعوب تحتنا والأمم تحت أقدامنا” . وأيضًا عندما أشار إلى أولئك الذين خَلصوا بالمعرفة يقول: “الذى يُخضِع الشعوب” كمن يتكلّم من نحو الله. وما نفحصه يتفق كما هو واضح مع ما ورد بالمزمور الثانى والستون ” انتظرت نفسى (الرب) من قِبله خلاصى” . وبالإضافة إلى كل هذا، نجد أن أعدائنا يشيرون إلى ما جاء بالرسالة إلى كورنثوس: ” فحينئذٍ الابن نفسه سيخضع للذي أخضع له الكل“. ولأن هذه الكلمة تُستخدم بمعانى كثيرة، من المفيد أن نفصل كل معنى على حده، لكى نفهم المعنى الذي يقصده الرسول بولس في كلامه عندما يتكلّم عن “الخضوع”. (1)

انواع الخاضعين :

وكون أن هناك خضوع من جانب من هو أقل فهذا يعتبر أمرًا تتميز به الطبيعة. وكل من هم يخضعون بنير العبودية لأسباب قانونية، حتى لو كان لهم نفس الكرامة في الطبيعة، فإنهم لا يستطيعون أن يقاوموا القانون، ولذلك فإنهم يقبلون وضع الخاضعين، مُجبرين على الخضوع للضرورة التي لا مفر منها. إلاّ أن هدف خضوعنا نحن والذى نقدمه لله، هو الخلاص كما تُعلّمنا النبوة التي تقول: ” إنما الله انتظرت نفسى. من قبله خلاصى” . (2)

الابن مكتفي في ذاته و غير محتاج لخضوع :

لأن بالنسبة للطبيعة الإنسانية المتغيّرة التي تصل إلى الصلاح بإشتراكها في الصلاح الإلهى، فإن الخضوع لله هو أمر ضرورى، لأن من هنا يأتى إشتراكنا في الصلاح، لكن لا مكان للخضوع بالنسبة للقوة غير المتغيّرة وغير المتحولة، إذًا ما قصدنا هو تحديد المعنى الكامل للصلاح، أى الصلاح المطلق، الذي لا يفنى، المطوب، الدائم إلى الأبد، هذا الذي لا يمكن أن يصير أفضل ولا أن يصير أسوأ. لأنه من جهة الصلاح لا يقبل الإضافة وليس فيه توجه نحو الأسوأ. فذاك الذي يُعطى الخلاص للآخرين لا يحتاج لمَن يُخلّصه. (3)

خضع بحسب التدبير :

كل ما فحصناه لا يمكن أن يُقال تحديدًا على الابن الوحيد الجنس. ولو إحتاج الأمر (لتوضيح) سأضيف لما قلناه نوعًا آخر للخضوع هذا الذي ذُكر في إنجيل لوقا أنه ” جاء إلى الناصرة وكان خاضعًا لهما” . وذلك حتى سن الثانية عشر، لكن ولا هذا أيضًا من المناسب أن يُقال عن الابن المولود قبل كل الدهور، الإله الحق من الإله الحق. أما هنا على الأرض فقد جُرّب في كل شئ مثل البشر وهو بلا خطية ، وقَبِل أن يعبر في كل مراحل عمرنا. وكما أنه صار طفلاً وأكل الطعام الخاص بالطفل، زبد وعسل، هكذا فعندما صار شابًا لم يهمل السلوك اللائق والمناسب لهذا السن، بأن يصير مثالاً للخضوع في هذه الحياة.(4)

لماذا لا يخضع دائماً :

لكن سيخضع عند الإكتمال النهائى لكل شئ. لكن إن كان الخضوع هو أمر حسن ويحق أن يُقال عن الله، فكيف غاب هذا الأمر الحسن عن الله في هذه الحياة الحاضرة؟ (5)

قصد الرسول بولس العام :

سأعرض أولاً لمعنى ما كتبه الرسول بولس، حتى نصل إلى الهدف من وراء كتابة هذا الجزء من الرسالة. إذًا ما هو الهدف الذي يُعلّم به الرسول بولس في هذا الجزء؟ إنه يهدف إلى شرح أن طبيعة الشر ستتحول في يوم ما وستختفى بالكامل وأن الصلاح الإلهى الدائم إلى الأبد سيحوى داخله كل طبيعة عاقلة ولن يسقط من ملكوت الله أى شئ مما خلقه الله وذلك عندما يزول كل الشر الذي اختلط بالكائنات وينحل بالنار مثلما تذوب المادة المغشوشة، وكل شئ أخذ وجوده من الله سيصير مثلما كان في البداية عندما كان نقيًا من الشر. وهذا الأمر صار بالطريقة الآتية: أن الألوهة الحقيقية النقية التي للابن الوحيد الجنس أتت إلى طبيعة البشر الفاسدة والفانية. إذًا إلى هذه الطبيعة الإنسانية قد جاء الكلمة، وصار هناك اتحادًا بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية كبداية لعجين واحد، هكذا اتحدت الطبيعة الإنسانية بالطبيعة الإلهية. (6)

خضوع الطبيعه البشريه لصلاح الله نتيجة تخلصها من الفساد بالخلاص الذي انعم به الابن :

عندما تبطل كل سلطة وكل سيادة للشر علينا، وعندما لا تُسيطر أى شهوة على طبيعتنا، فهناك إحتياج مطلق لأن يخضع الكل لمن هو أصل وبداية الكل. والخضوع لله هو التغرب الكامل عن الخطية. إذًا عندما نوجد جميعًا بحسب محاكتنا للباكورة ( المسيح ) (7)، خارج دائرة الشر أو الخطية،فحينئذٍ ستخضع طبيعتنا كلها لسيادة الصلاح، طالما أنها قد إتحدت بالباكورة، وصارت واحدة معها على الدوام. وهكذا بعدما إتحدت طبيعتنا الإنسانية بالطبيعة الإلهية غير المائتة، فى شخصه المبارك يتحقق فينا مقولة “خضوع الابن”، طالما أن الخضوع الذي يتحقق بالجسد تم في الابن، الذي وضع فينا نعمة الخضوع. (8)

خضوعنا لله لانتهاء الخطيه :

والملاحظ فى هذه العبارة الأخيرة يصور أو يصف بالكلمة وبوضوح إختفاء الخطية، قائلاً إن الله سيسود على كل شئ ويصير الكل لكل أحد. أى من الواضح أنه في ذلك الوقت سيتحقق حضور الله في الكل عندما لا يكون هناك أية خطية داخل البشر. فمن المؤكد أنه ليس أمرًا طبيعيًا أن يأتى الله وسط الخطية أو وسط الشر. ولن يوجد الله في الكل عندما تبقى بقية للخطية في البشر، فإن كان ينبغى علينا أن نؤمن أن الله يوجد حقًا في الكل، فحينئذٍ سيتضح أنه لا مكان للخطية فى هذه الحالة. لأنه من غير الممكن أن يوجد الله وسط الشر. (9)

خضوعنا كأعضاء جسده :

ولا توجد طريقة أخرى لإتحاد أحد بالله إن لم يصر جسدًا واحدًا معه، كما يقول القديس بولس. بمعنى أننا عندما نتحد معًا فى جسد واحد، نصير جميعًا جسد المسيح الواحد. إذًا عندما يسود الصلاح على الجميع، فحينئذٍ كل جسد الإنسان سيخضع للقوة المحيية، وهكذا فإن خضوع جسده يُقال عنه بأنه خضوع للابن الذي إتحد بالكنيسة التي هى جسده، الأمر الذي يشير إليه الرسول بولس في رسالته إلى أهل كولوسى بقوله: ” الذي الآن أفرح في آلامى لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمى لأجل جسده الذي هو الكنيسة” وإلى كنيسة كورنثوس يكتب: ” وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” . هذا التعليم ذَكره بوضوح في رسالته إلى أهل أفسس حيث يقول: “ بل صادقين في المحبة ننمو في كل شئ إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح الذي منه كل الجسد مُركبًا معًا ومقترنًا بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو للجسد لبنيانه في المحبة” . لأن المسيح يكمّل بنيان جسده (أى الكنيسة) بواسطة هؤلاء الذين ينضمون باستمرار إلى الإيمان، وسيتوقف عن بنيان جسده عندما يصل نمو وكمال هذا الجسد إلى قياسه هو، ولا يصبح هناك شيئًا ناقصًا من هذا الجسد، بعدما يكون كل البشر قد تأسسوا على أساس الأنبياء والرسل ، وإتحدوا في الإيمان عندما: “ ننتهى جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح ” . (10)

توحدنا مع الابن يخلصنا و هو ما يسمي بالخضوع :

أنه بواسطة حضوره في الجميع يقبل في نفسه كل من إتحد به عن طريق الشركة في الجسد الواحد، ويجعل الجميع أعضاء جسده وبرغم أنهم أعضاء كثيرون فهم جسد واحد. إذًا فإن ذاك الذي وحّدنا معه وإتحد بنا، وصار واحدًا معنا، جعل كل ما هو لنا هو له. وتاج صلاحنا هو في الخضوع للأمور الإلهية، وذلك عندما تتوافق كل الطبيعة مع نفسها: ” وتجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” . حينئذٍ بعدما يصير الكل جسدًا واحد، وبعدما يتحد الجميع فيما بينهم في المسيح من خلال الخضوع،فإنه هنا يشير إلى خضوع جسده (أى الكنيسة) للآب. إذًا لا ينبغى أن يشك أحد فيما قيل. لأننا نحن أيضًا في كل ما يصير لجسدنا، من خلال عادة ما، ننسبها للنفس. مثل ذاك الذي تحدث إلى نفسه، عندما صار في وطنه رخاء، قائلاً لها: ” كلى واشربى وافرحى” ، فهو يُشير إلى النفس حين يتحدث عن شبع الجسد، هكذا هنا خضوع جسد الكنيسة ينسب إلى الابن الذي اتحد بالطبيعة الإنسانية. لأن كل من هو متحد به يخلص، والخلاص يُفسر بالخضوع . (11)

عند انتهاء الشر و المعارك يقدمنا المسيح للآب :

عندما يختفى كل شئ مقاوم للصلاح، عندما يجمع كل مُلكه ويقدمه لله الآب، موحدًا كل شئ فيه.
والقول بأنه يُسلم ملكه لأبيه، نفس المعنى يحمله القول بأنه يقود الجميع إلى الله، ذاك الذي فيه لنا قدوم لدى الآب.
(12)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1 – خضوع الابن للآب . شرح المعني الصحيح للأيه ، إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . ص 9
2 – مرجع سابق . ص 10
3 – مرجع سابق . ص 11
4 – مرجع سابق . ص12
5 – مرجع سابق ص 13
6 – مرجع سابق . ص 17
7 – يقول الرسول بولس : ( ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين” (1كو15: 14-20). ويشرح اثناسيوس الرسولي لفظ البكر قائلاً : [ أما لفظ “البكر” فيشير إلى التنازل إلى الخليقة، لأنه بسببها سُمى بكرًا… لأنه لو كان “بكرًا” لما كان “وحيدًا” لأنه غير ممكن أن يكون هو نفسه “وحيدًا” و “بكرًا” إلا إذا كان يشير إلى أمرين مختلفين. فهو “الابن الوحيد ” بسبب الولادة من الآب، ولكنه يسمى “بكرًا” لسبب التنازل إلى الخليقة وجعله الكثيرين أخوة له. .. إذن فهو لم يُدعَ “بكرًا” بسبب كونه من الآب، بل بسبب أن الخليقة قد صارت به. وكما كان الابن نفسه كائنًا قبل الخليقة وهو الذى به قد صارت الخليقة، هكذا أيضًا فإنه قبل أن يُسمى “بكر كل الخليقة” كان هو الكلمة ذاته عند الله. ] – ضد الاريوسيين . ترجمة أ/ صموئيل كامل , د/ نصحي عبد الشهيد . مراجعة د/ جوزيف موريس فلتس . 2 , 21: 62 , 63 .. المقاله الثانيه . ص 117 , 118
8 – خضوع الابن للآب . شرح المعني الصحيح للأيه ، إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه ص 19
9 – مرجع سابق . ص20
10 – مرجع سابق . ص 21 , 22
11 – مرجع سابق . ص 22 , 23
12 – مرجع سابق . ص ص 30

لتحميل كتاب خضوع الابن للاب للقديس غريغوريوس النيسي

 و شرح المعنى الصحيح للايةاضغط هنا