الكتاب المسيحيترجماتتلخيص واقتباسات ومراجعات

من فصل طبيعة الإنسان- من كتاب يا موت أين شوكتك – ألكسندر شميمن – ترجمة م / اشرف بشير

15193557 10154387393943778 5830696479502382231 n

 من فصل طبيعة الإنسان

 The Nature of Man

من كتاب يا موت أين شوكتك 

 O Death, Where Is Thy Sting

اللاهوتي الأرثوذوكسي الأب ألكسندر شميمن

Alexander Schmemann

عميد معهد القديس فلاديمير للدراسات اللاهوتية

ترجمة م / اشرف بشير

الإنسان هو كائن عطش وجائع، كائن يحول العالم إلى حياة لذاته ! … وفي هذا التحويل، فإن هدف البشرية تحويل العالم إلى: “حياة” ! وبهذا يجعل الحياة وسيلة شركة مع العالم، مع بداياته، مع هدفه، مع الله … في مقابل عطايا الله للإنسان: عطية العالم، عطية الطعام، عطية الحياة، يستجيب الإنسان بالشكر والتسبيح، وبواسطتهما يملأ ويعيد تشكيل العالم …

بناءاً على القصة الأسطورية الرمزية [mythical that is symbolic] في الكتاب المقدس، كل العالم أُعْطَى للإنسان من الله كطعام، باستثناء ثمرة واحدة ممنوعة. وهذه الثمرة على وجه التحديد هى التي يأكلها الإنسان، رافضاً أن يؤمن ويطيع الله … فما هو معنى هذه القصة التي تستقبلنا [كاستهلال في أول الكتاب المقدس] كرمز/أسطورة [fable] أطفال؟ إنها تعنى أن ثمرة هذه الشجرة الواحدة، بعكس كل الأشجار الأخرى، لم تُعطَى كعطية للإنسان. أي لا تحمل البركة الإلهية. هذا يعني أن الإنسان لو أكل هذه الثمرة، فهو لا يأكل ليكون له حياة مع الله، كوسيلة لتحويلها إلى حياة، ولكن كهدف في ذاته. ولهذا بأكله إياها، عَرّض الإنسان نفسه للطعام ! اشتهى أن يحصل على الحياة، ليس من الله، وليس لله، ولكن لذاته.

إن سقوط الإنسان هو في حقيقة أنه اشتهى الحياة لذاته وفي ذاته، وليس لله وفي الله ! الله خلق هذا العالم كوسيلة شركة معه، ولكن الإنسان اشتهى العالم فقط من أجل ذاته. وبدلاً من أن يعيد حب الله إليه بحب منه لله، أحب الإنسان العالم كهدف في ذاته. وهنا تقبع كل المشكلة، أن العالم لا يمكن أن يكون نهاية في ذاته ومن ذاته. ولهذا لم يصبح العالم شفاف لله [لا يُرَى الله من خلاله بكونه وسيلة شركة في الله]، وأصبح العالم فوضى غير منتهية، أصبح دورة زمنية لا معنى لها، دورة فيها كل شئ في حالة تغير مستمر، في حالة تلاشي مستمر، وكتحليل نهائي: صار مائتاً.

في التصور الإلهي للبشرية، كان الاعتماد على العالم يُقهر بتحويل العالم ذاته إلى حياة. الحياة تعني: “امتلاك الله”. “فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ”، هكذا نقرأ بشارة يوحنا 1: 4. فإن لم يتحول العالم إلى أي شئ، وإن توقفت الحياة عن أن تكون تحول إلى شركة مع “المعنى المطلق”، مع “الجمال المطلق”، مع “الصلاح المطلق”، فإن هذا العالم لن يصبح فقط بلا معنى، ولكن العالم يصبح “موتاً”. حيث لا شئ يملك حياة في ذاته وبواسطة ذاته، فالكل يزول، الكل ينحل. إن قطعت وردة من جذورها، فستعيش فقط لفترة قصيرة إن وضعت في ماءٍ، وحتى وإن زينت لها الغرفة، فنحن ندرك أنها “تموت”، لأنها صارت عرضة للفساد.

لقد أكل الإنسان ثمرة ممنوعة، مفتكراً أنها ستعطيه الحياة. ولكن الحياة خارج الله، وبدون الله، هي ببساطة: “شركة مع الموت”. ليس من قبيل الصدفة أن ما نأكله يحتاج أن يكون ميتاً ليصبح حياة لنا. إننا نأكل لنحيا، ولكن حيث أننا نأكل ما هو بالفعل فاقد للحياة، فإن الطعام ذاته -لا محالة- يقودنا للموت. وفي الموت لا يوجد حياة ولا يمكن أن يكون هناك أي حياة!

“الإنسان هو ما يأكله” [مقولة للفيلسوف الألماني فيورباخ] … والإنسان يأكل الموت: حيوانات مائتة، نباتات مائتة، يأكل متعفنات ومتحللات! الإنسان ذاته يموت، وربما فداحة سقوطه على وجه التحديد في حقيقة أن هذا الموت الذي يملأه وهذه الحياة الفاسدة، وضحت من البداية في الفساد، هذه الحياة التي تنساب وتختفي بلا رجعة، حياة يعتبرها الإنسان شئ طبيعي جداً !

“أنا صورة مجدك غير الموصوف” [من طقس خدمة التجنيز للـ Eastern Orthodox]، وعلى الرغم من ذلك يقوم البشر بإزالة هذا الإنسان [صورة مجد الله] وتخبئته، لكي لا يشم أحد رائحته [بعد موته]، ولكي لا يعطل سريان حياتهم ! هذا ما يتم للإنسان، صورة وشبه الله، الملك، وتاج الخليقة ! بالتأكيد العبثية البشعة للعالم، والفوضى المستمرة للبشرية كـ”مقبرة كونية”، تلك المحاولات المثيرة للشفقة لبناء شئ لمن يموتوا ولمن ماتوا [من مقابر مزينة مزخرفة]، بل وأخيراً التأكيد على أن كل هذا عادي وطبيعي، كل هذا هو ما تعلنه المسيحية كـ”سقوط”، وهو تزييف من الإنسان لذاته ولدعوته الإلهية والأبدية. المسيحية ترفض أن تتصالح مع هذه الرؤية للعالم. وتعلن المسيحية بحزم ووضوح أن: “آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ” (1 كو 15: 26)

الإنسان يشتهى الحياة، ليس فقط للحظة، ولكن يشتهيها حياة “أبدية”. حياة -في التسبحة الكنسية- تُسَمَى بجمال: “حياة لا يضمحل بريقها” … تلك الحياة هي: “الواحد”: ذاك الذي هو ذاته حياة، إنه الله! حياة: بمعرفته، بالشركة معه، بالحب، وبالتسبيح، وبامتلاكه. ولهذا فالذي سقط في الموت، وفي عبودية الطعام [عبودية الفساد]، صار ما يأكل [أي مائتاً]، فصار في احتياج إلى “خلاصٍ”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللوحة للفنان النمساوي Peter Gric (من أصول تشيكية)، بعنوان “مُوَلِّد الأحلام”. تصور الإنسان قابعا في وضع الجنين، ولكن بدل من وجوده جنيناً في رحم الولادة، فهو قابع أسفل الأرض جنيناً في رحم الموت، وكل ما يربطه بالحياة الخارجية هو أحلام يستمدها من كيان خارج الموت (لايستطيع حتى تصور شكله)، محصوراً بـ”الرحم الموتي”، فإنه لا يقدر على الخروج للحياة، ويكتفي بأحلام الخلاص من مأساته