روحية

كتاب الملكوت الداخلي – كاليستوس وير

كتاب الملكوت الداخلي - كاليستوس وير

كتاب الملكوت الداخلي

كتاب الملكوت الداخلي – كاليستوس وير

كتاب الملكوت الداخلي
كتاب الملكوت الداخلي

 

كتاب الملكوت الداخلي – كاليستوس وير

الملكوت الداخلي مجموعة نصوص تدعونا لكي نتعلم الغوص في داخلنا و العودة الي ذواتنا و الاصغاء و التوبة و الصلاة و محاربة الافكار و الاهواء , ان نصوص هذا الكتاب هي اشبة برحلة “فيلوكالية ” في غمارمحبة جمال المسيح الذي يخرجنا من الموت الي الحياة

 

 

بعض الاقتباسات من كتاب الملكوت الداخلي :

+ ليس العالم بحاجة الي ارثوذكسية باردة , حصرية تتهم الاخر , و تنغلق على ذاتهابل الي ارثوذكسية جريئة مرحبة متسامحة و كريمة , و هذا كله نستطيع تحقيقه دون اضعاف تقليدنا او تذويبه
الاستخدام الصحيح للعقل يدخل في التقليد و ينسجم مع فكر الاباء , فالذين يدخلون الي الارثوذكسية يعتقدوناو ياملون انهم سيجدون الجواب الفوري , السريع و الاكيد لجميع اسئلتهم , كما لو انه ممنوع ان يوجد اي مجال للشك بعد ذلك , , شخصيا لا اعتقد ان هذه هي الارثوذكسية الحفقيقية لانه ثمه نوعا من اليقين لا يمكن ان تحوزه الكنيسة , بل لا يجب ان تبحث عنه حتى , فروح الكنيسة هو روح اكتشاف لا روح تنزيه

+طريق التوبة

” توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات” (متى 3, 2, 4, 17)

بهذه الكلمات عينها بدأ كل من يوحنا المعمدان وسيّدنا يسوع المسيح بشارته. فالتوبة هي نقطة انطلاق البشارة السارة: بدون التوبة لا يمكن أت توجد حياة جديدة أو خلاص أو دخول في ملكوت السماوات.

 

 لو ألقينا نظرة على كتابات آباء الكنيسة القديسين لوجدنا أنفسنا أمام الحقيقة ذاتها التي تتكرر بإلحاح. فعندما سئل الأب ميليسيوس عما يفعله في الصحراء أجاب: “إنني إنسان خاطئ ولقد جئت إلى هنا لكي أبكي على خطاياي”. ليست هذه التوبة مجرد مرحلة أو تمهيد لشيء آخر, بل هي تستمر مدى الحياة. وفيما كان الأنبا ساسين (صيصوي) ممدداً على فراش الموت, رآه تلاميذه الذين كانوا محيطين به يخاطب أحداً ما فسألوه “مع من تتكلم يا أبانا؟” أجابهم: “ها هي الملائكة أتت لتحملني وإني أرجوها أن تدعني أتوب قليلاً بعد”.

فقال له الشيوخ: “لا حاجة إلى أن تتوب يا أبانا” فأجابهم: “في الحقيقة لست متأكداً حتى من أنني بدأت أتوب”.

القديس مرقس الناسك (القرنان الخامس والسادس) يقول من جهته: “إننا لا ندان لكثرة خطايانا بل لأننا لم نتب عنها… التوبة لا بداية لها ولا نهاية, إنها تستمر حتى الممات, وهذا يسري على الصغار والكبار على السواء”. يقول الأنبا إشعياء السياتي (القرنان الرابع – الخامس): “لقد منحنا سيدنا يسوع المسيح التوبة حتى الرمق الأخير لعلمه أن خديعة العدو عظيمة جداً فإن لم تكن هناك توبة, لن يخلص أحد”.

 

ماذا تعني لنا, في الواقع, كلمة توبة؟ هذه الكلمة توحي لنا بشكل عام بالندم على الخطيئة والشعور بالذنب والتحسس للألم والرهبة أمام الجروح التي سبّبناها لقريبنا ولأنفسنا. لكن كل رؤية مماثلة تبقى ناقصة. إذا كان الألم والرهبة هما فهلاً عنصرين أساسيين للتوبة فإنهما ليسا التوبة بكلّيتها ولا البعد الأهم منها حتى.

لكي نفهم بشكل أفضل المعنى العميق للتوبة لا بد لنا من العودة إلى الأصل اليوناني للكلمة وهو “ميتانويا” الذي يعني حرفياً ” تغيير النفس ” أي ليس فقط الندم على الماضي بل التحول الجذري لنظرتنا واكتساب طريقة جديدة لرؤية الله والآخر وأنفسنا. فعلى حد قول راعي هرماس (القرن الثاني) التوبة “فعل حكمة عظيمة” وليست أزمة وجدانية بالضرورة. فالتوبة ليست الندم على الذات والشفقة عليها بل هي تحول حياتنا إلى محور واحد هام هو الثالوث القدوس أو مركزتها حول هذا المحور.

 

 “نفس جديدة”, “تحول”, “مَركَزة”, هذا كله يدل على أن التوبة أمر إيجابي لا سلبي. فالتوبة هي “بنت الرجاء والتخلي عن اليأس” كما يقول القديس يوحنا السلمي. أن نتوب لا يعني أن ننظر إلى أسفل, باتجاه النواقص الموجودة فينا, بل إلى الأعلى باتجاه محبة الله, لا إلى الوراء, مع كل اللوم الذي نلقيه على أنفسنا, بل إلى الأمام وبكل ثقة.

التوبة هي أن ننظر لا إلى ما لم نستطع أن نحقّقه أو نكوّنه, بل إلى ما يمكننا أن نحققه ونكونه بنعمة المسيح. يتجلى الطابع الايجابي للتوبة في كلمات النبي أشعياء (9, 1) التي ترد في إنجيل متى مباشرة قبل بدء المسيح بدعوة الناس إلى التوبة: “إنّ الشعب السالك في الظلمة قد أبصر نوراً عظيماً, والذين في الظلام أشرق عليهم النور”.  العلاقة بين التوبة ومجيء النور العظيم هامة جداً.

ذلك أنه من المستحيل أن نرى خطايانا قبل رؤية نور المسيح. يشير إلى ذلك القديس ثيوفانس الحبيس (1815-1894) بقوله: “ما دامت الغرفة غارقة في الظلام فإننا لا نلاحظ قذارتها لكن إذا أضيئت بقوة نرى فيها حتى أصغر جبة غبار والأمر ذاته ينطبق على غرفة نفسنا فنظام الأشياء ليس هو أن نتوب أولاً ثم أن نعي المسيح لاحقاً بل نور المسيح الذي يدخل في حياتنا يجعلنا نفهم خطيئتنا الشخصة بشكل حقيقي”. يقول القديس يوحنا كرونشتادت (1829-1908): “التوبة هي أن نعلم أن هناك كذبة في قلبنا”. لكنّنا لا نستطيع أن نكتشف وجود هذه الكذبة قبل أن يكون لدينا حس بالحقيقة.

 كثيرون هم الذين يشعرون بالحزن بسبب أفعالهم الماضية, لكنهم يقولون بائسين: “لا أستطيع أن أسامح نفسي على ما فعلت”.

وبما أنهم غير قادرين على مسامحة أنفسهم فهم بالتالي غير قادرين على تصديق أن الله وأشخاصاً آخرين قد سامحوهم. هؤلاء الأشخاص على الرغم من عظم قلقهم لم يبدأو بالتوبة بعد ولم يبلغوا “الحكمة العظيمة” التي بواسطتها يعرف الإنسان أن المحبة هي المنتصرة, كما انهم لم يختبروا تغيير الذهن, الذي يرتكز على القول: الله قبِلني فالمطلوب منى الآن هو قبول الواقع التالي: أن الله قبِلني. هذا هو جوهر التوبة.  إن خبرة التوبة تعاش بقوة خاصة في سر الاعتراف.

فمعنى هذا السر تعبر عنه بامتياز الوصية التالية التي يوجهها الكاهن إلى التائب بحسب الطقس الروسي: “يا بنيَّ, إن المسيح موجود معنا بحال غير منظورة ليتقبل إعترافك. فلا تخجل, لا ترهب, ولا تُخف أي شيء بل أخبرني عن كل ما فعلته بدون أي تردد لكي تنال الحل من ربنا يسوع المسيح.

فهذه أيقونته أمامنا, وأنا لست سوى شاهد لكي أشهد أمامه عن كل ما ستقوله لي. فإذا أخفيت عني شيئاً تكون خطيئتك مزدوجة. إحرص إذاً, بما أنك أتيت إلى الطبيب على ألا تغادره قبل أن تُشفى”.

 

 يجب عدم النظر إلى سر الاعتراف من المنطلق القانوني فقط, بل من المنطلق العلاجي أيضاً فالاعتراف هو قبل كل شيء سر شفاء. واللافت في هذا الصدد كون بعض التفاسير الليتورحية البيزنطية لا تعتبر سري الاعتراف ومسحة الزيت سرين معترفين بل تعتبرهما وجهين متكاملين لسر شفاء واحد.

ما نبحث عنه في الاعتراف هو أكثر من مجرد حل خارجي وقانوني للخطايا إننا نبحث عن شفاء لجراحاتنا الروحية العميقة, فلا نطرح أمام المسيح خطايا محددة فقط, بل واقع الخطيئة فينا أي الفساد العميق الذي يعتري طبيعتنا الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات محددة والذي يفوق وعينا وإرداتنا, هذا ما نطلب الشفاء منه بالتحديد. بما أن الاعتراف هو سر علاجي فهو ليس ضرورة مؤلمة أو نظاماً تفرضه علينا السلطة الكنسية بل هو فعل مفعم بالفرح والشكر الخلاصي. بواسطة الاعتراف نتعلم أن الله هو في الحقيقة “رجاء الذين لا رجاء لهم” كما نرتل في خدمة القداس الالهي بحسب القديس باسيليوس.  إبتداءً من اللحظة التي ننظر فيها إلى الاعتراف على أنه من صنع المسيح لا من صنعنا نحن, يبدو لنا سر التوبة تحت ضوء أكثر إيجابية إذ يكفّ عن إضهار تشتتنا وضعفنا ليعكس محبة الله ومسامحته الشفائيتين. علينا أن نرى في أنفسنا ليس فقط الابن الضال الذي يمشي ببطء وخطى ثقيلة على درب العودة الطويل وإنما أيضاً الأب الذي يراه من بعيد ويسرع إلى ملاقاته. يعبر عن هذا تيتو كولياندر بقوله: “إذا خطونا نحو الله خطوة واحدة فإنه يخطو نحونا عشر خطوات”. وهذا بالتحديد ما نعيشه في سر الاعتراف.

 

والاعتراف كسائر الأسرار الأخرى فعل إلهي – إنساني تشترك فيه النعمة الالهية وإرادتنا الحرة وتتعاونان. فالاثنتان على درجة من الأهمية, لكن ما يفعله الله يبقى أهم بكثير.

إذاً إن التوبة والاعتراف يسا مجرد شيء نفعله من تلقاء أنفسنا أو بمساعدة الكاهن بل هذا شيء يفعله الله معنا وفينا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “فلنأخذ دواء التوبة الخلاصي, ولنقبل من الله التوبة التي تشفينا لأننا لسنا نحن من نقدمها إليه بل هو الذي يقدمها إلينا”. ما هو بالتحديد دور الكاهن في هذا العمل المشترك؟ من جهة, نجد أن دوره واسع وشامل جداً.

 

فكل الذين لديهم أب اعتراف منعم عليهم بموهبة الارشاد الروحي يمكنهم أن يشهدوا على أهمية دور الكاهن إذ إن وظيفته تتعدى مجرد تقديم النصائح.  فالتوبة ليست عقاباً أو شكلاً من أشكال التكفير بل هي وسيلة شفاء. النوبة دواء. وإذا كان الاعتراف الحقيقي بمثابة العملية الجراحية فالتوبة هي المقوي الذي يعيد للمريض عافيته خلال تماثله للشفاء. إذاً التوبة هي, شأن الاعتراف بكامله, أمر إيجابي في هدفه الأساسي: فهي لا ترفع حاجزاً بين الخاطئ والرب بل هي جسر يصل أحدهما بالآخر. “فاعتبر بلين الله ةشدّته”(روميه 11, 12) ليست التوبة تعبيراً عن قسوة الله فقط بل عن محبته أيضاً.  إن الأب المعرف, المخول سلطة الربط والحل, يتمتع بهامش واسع من الحرية في اختيار الارشادات أو النصائح وفي التوبة العلاجية التي قد يفرضها على ابنه الروحي وبالتالي تقع على عاتقه مسؤولية كبرى. لكن دوره يبقى محدوداً فالاعتراف, كما رأينا, موجه إلى الله وليس إلى الكاهن. فالله هو الذي يمنح الغفران.  إن الشفاء الذي نصبو إليه من خلال سر الاعتراف أسبه بالمصالحة.

 

وهذا لأن إفشين الحل يقول: “لا تقصه (ها) عن كنيستك المقدسة الجامعة والرسولية بل اجعله (ها) متحداً (ة) بقطيع نعجك الطاهر”. (في الطقس الروسي). هكذا فإن الخطيئة كما يطالعنا بذلك مثل الابن الضال, هي منفى وعبودية وإقصاء النفس عن العائلة. وكما يقول ألكسي خومياكوف (ت. 1860): “عندما يسقط أحدنا فإنه يسقط بمفرده”. أما التوبة فهي بمثابة العودة إلى المنزل والعودة من العزلة عن الجماعة من أجل الدخول مجدداّ في العائلة.  هذه هي خبرتنا حيال “الحكمة العظيمة” أو “تغيير الذهن” كما تعبر عنها كلمة توبة.

فالتوبة المفعمة ألماً وفرحاً في آن معاً تعبر عن التوتر الخلاًق الذي لطالما طبع الحياة المسيحية على هذه الأرض والذي وصفه القديس بولس بأسلوب حي بقوله: “نجمل في أجسادنا كل حين موت المسيح لتظهر في أجسادنا حياة المسيح أيضاً(…) مائتين وها إنّنا أحياء (…) محزونين ونحن دائماً فرحون”. (2كور 4, 10, 6, 9 -10). حياتنا إذاً حياة توبة مستمرة وبما أننا من تلاميذ المسيح فحياتنا هي أيضاً مزيج من حادثة الجسمانية والتجلي, والصلب والقيامة.

يلخص القديس يوحنا السلمي هذه الحالة الداخلية بقوله: “من لبس, كلباس العرس, الفاجعة المغبوطة والمكلّلة بالنعمة يعرف الفرح الروحي”

 كتاب الملكوت الداخلي

كتاب الملكوت الداخلي

كتاب الملكوت الداخلي

 

 

دي فقرة للمقارنة بين ترجمة  نصحي عبد الشهيد و كاترين سرور لكتاب الملكوت الداخلي :

[كثيرون هم الذين يشعرون بالحزن بسبب أفعالهم الماضية؛ لكنَّهم يقولون يائسين: “لا أستطيع أن أسامح نفسي على ما فعلت”. وبما أنَّهم غير قادرين على مساحة أنفسهم، فهم بالتالي غير قادرين على تصديق أن الله وأشخاصًا آخرين قد سامحوهم. هؤلاء الأشخاص، على الرغم من عِظَم قلقهم، لم يبدأوا بالتوبة بعد ولم يبلغوا “الحكمة العظيمة” التي بواسطتها يعرف الإنسان أن المحبة هي المنتصرة؛ كما أنَّهم لم يختبروا تغيير الذهن، الذي يرتكز على القول: الله قبلني فالمطلوب مني الآن هو قبول الواقع التالي: أن الله قبلني. هذا هو جوهر التوبة.]

 كاليستوس وير، الملكوت الداخلي، تعريب كاترين سرور ص 73

[كثيرون يشعرون بالأسف على أعمالهم الماضية، ولكنهم يقولون في يأسهم، “لا أستطيع أن أغفر لنفسي ما قد فعلته”. ولأنَّهم لا يستطيعون أن يغفروا لأنفسهم، فإنَّهم لا يستطيعون بالمثل أن يؤمنوا أن الله يغفر لهم. ولا أن الناس الآخرين يمكنهم أن يغفروا لهم. مثل هؤلاء الناس، بالرغم من شِدَّة مُعاناتهم. فإنَّهم لم يتوبوا بعد كما ينبغي هم لم يبلغوا بعد إلى “الفِطْنَة العظيمة” التي بها يستطيع الشخص أن يعرف أن المحبة هي الغالبة فى النهاية. هم لم يختبروا ” تغيير الذهن” الذي يَكْمُن في أن يقول الواحد منهم: انا مقبول من الله؛ وما هو مطلوب منى هو أن أقبل حقيقة أنَّني مقبول. هذا هو جوهر التوبة.]

— كاليستوس وير، الملكوت الداخلي، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد ص42

استاذ ابانوب ميخائيل 

 

 

لتقيم لكتاب  على موقع goodreads 

 

 اضغط هنا لتحميل الكتاب