الكتاب المسيحي

قراءة في كتاب يسوع المسيح لفالتر كاسبر – إعداد بسام دعيبس

قراءة في كتاب يسوع المسيح  لفالتر كاسبر – إعداد بسام دعيبس

قراءة في كتاب يسوع المسيح
قراءة في كتاب يسوع المسيح

 

قراءة في كتاب يسوع المسيح  لفالتر كاسبر – إعداد بسام دعيبس

يحمل كتاب يسوع المسيح، لمؤلفه فالتر كاسبر أحد ألمع اللاهوتيين الكاثوليكيين المعاصرين، المسؤول في الفاتيكان عن العلاقات المسكونية بين الكنائس المسيحية لا سيما الشرقية منها، الرقم 23 من سلسلة كتب الفكر المسيحي بين اليوم والغد ، وقد صدر هذا الكتاب عام 1974 وقد ترجم الى تسع لغات مختلفة لاهميته.

وقد قام بنقله الى اللغة العربية المطران يوحنا منصور المعاون البطريركي للروم الكاثوليك في لبنان، ويقع الكتاب في 445 صفحة من الحجم الكبير، وقد حرر الكتاب ليكون عونا لدارسي اللاهوت والكهنة والعلمانيين وللمسيحيين الذين اصبحت الفلسفة جزءا من ايمانهم وليكون عونا للمهتمين بيسوع وعمله ممن هم خارج الكنيسة.

يعالج الكتاب مواضيع مختلفة، أهمها المسيحانية اي علم اللاهوت الذي يدور حول السيد المسيح محط الاهتمام اللاهوتي، وان السيد المسيح هو أساس الكنيسة ومقياسها، وشخص يسوع التاريخي. وقد قسم الكاتب كتابه الى ثلاثة أبواب أولها مسألة يسوع اليوم، وفي هذا الباب يستعرض اشكالية المسيحانية المعاصرة، ومكان المسيحانية، والتيارات الاساسية لها ومهماتها، كما يتكلم عن مسالة يسوع التاريخية من حيث الانطلاق في الايمان الحالي بيسوع المسيح، وشرعبة الحديث عن حياته، واهمية التاريخ للاهوت، ومسالة يسوع الدينية، والايمان والخلاص به في عالم معلمن.

يعالج الباب الثاني تاريخ يسوع المسيح وقدره، من حيث يسوع المسيح الارضي، ابتداء من ظهوره، ورسالته، وملكوت الله، وصفات الملكوت، ومرورا بمعجزات يسوع، واشكاليتها، ومدلولها اللاهوتي، و مشكلة القاب يسوع، وموت يسوع من حيث الاطار التاريخي، والمنظور المعادي، والمدلول الخلاصي، وانتهاء بالمسيح القائم من القبر والصاعد الى السماء، وما يتبع ذلك من اساس الايمان بالقيامة، ومعطيات التقليد، ومفترضات التأويل، والتبرير اللاهوتي، مبينا ان القيامة هي ترفيع ليسوع، وانها تعني الخلاص.

ويعالج الباب الثالث سر يسوع المسيح من حيث ابن الله في المذلة، وابن الله منذ الازل، وابن الله ملء الزمن، كما يتكلم عن يسوع المسيح ابن البشر من حيث هو انسان حقيقي، وانسان كامل، وبشرية الخلاص، وانه الوسيط بين الله والانسان، وهنا يركز على موضوع الوساطة، وشخص الوسيط، وشهادة الكتاب، والتقليد والتفكير اللاهوتي والفلسفي وعمل الوسيط.

ان اشكالية المسيحانية المعاصرة مهما تعددت الاشكال والجماعات الكنسية، فانها تلتقي كلها في مركز مشترك هو يسوع المسيح وكلامه وعمله.

فالاعتراف بان يسوع هو المسيح يعني الصيغة المختصرة للايمان المسيحي، والمسيحانية ليست سوى هذا الاعتراف بان يسوع الناصري مسحه الروح، وهو خلاص العالم، وهو يعني اليقين والبيان والجوهر الذاتي للخاصية المسيحية، ومن خلالها يمكن حل المشاكل العالقة في الكنسيات، كما ان واجب اللاهوت الحالي عرض المسيحانية الى المجتمع الحالي، والى الكنيسة الباحثة عن الهوية، بطريقة تتطابق فيها الهوية والفائدة، والوجود والمدلول بشكل فريد متكامل.

ان التيارات الاساسية للمسيحانية اليوم تقودنا الى مهمات ثلاث كبرى، لمسيحانية حاليه هي مسيحانية محددة تاريخيا محددة بيسوع التاريخي ورسالته وسلوكه ومصيره وقضيته ومولد الايمان الفصحي الى مجيء الملكوت، ومسيحانية مبررة عموما تعرف فيها كيف تلائم مشاكل الزمن وكيف يمكن التفكير في العلاقة بينها وبين الفلسفة، وبين الطبيعة والنعمة، وبين الشريعة والانجيل، والادراك المسيحي للحقيقة بمعناها الارحب، والمسيحانية الثالثة هي محددة خلاصيا تجمع الاولى والثانية في وحدة اسمى فشخص يسوع وتاريخه لا ينفصلان عن مدلولهما العام فالمسيحانية والخلاصية تؤلفان وحدة واحدة.

ان توضيح كيفية التوفيق في كنيسة اليوم يقودنا الى الاهتمام بالهوية المسيحية وبمصلحتها، وهذا يقودنا ايضا الى كيفية واين نلاقي يسوع اليوم وهنا تجمعنا نقاط التقاء في الايمان الحالي بيسوع كمسالة تاريخية مهمة تمتد عبر التاريخ العام ولا تزال حاضرة وبطريقة مباشرة الى اليوم، فدراسة يسوع التاريخية لها نتائج على المسيحية المعاصرة والكنائس الحالية والحضارة برمتها، وقد احتوت الاناجيل على مادة تاريخية وافرة، كما ان التقليد المتمثل بالكنيسة وايمان الجماعات المسيحية الاولى وقانون الايمان كلها عرفتنا بيسوع الناصري من حيث تاريخه ومصيره وسره وان الموضوع المركزي للاهوت يتركز على الصلب والقيامة.

ان مسالة يسوع الدينية تعني تحدي العالم المعلمن، والاعتراف بيسوع هو المسيح، وبه تم الخلاص والفداء، وتمت العدالة والحرية والحياة، كما ان مسالة ظهور يسوع الارضي رواها الانجيليون سواء عن مولدة وطفولته ومعموديته وكرازته وعلاقته بالخطاة وموته على الصليب وغيرها، وان المنظور اللاهوتي هو الوحيد الذي يعبر عن شخص يسوع وعمله وقضيته المتمثلة بتاريخ الله مع البشر.

ان الباعث الاساسي لرسالة يسوع هو مجيء ملكوت الله، الذي يعني هزيمة القوى الشيطانية وغلبتها، ومجيء خليقة جديدة تحددها الحياة والحرية والسلام والمصالحة والمحبة.

ان معجزات يسوع كانت افعالا خارقة مدهشة لا يمكننا اغفالها، وهي من عمل الله لا يمكن معرفتها الا بالايمان، وان المدلول اللاهوتي لمعجزات يسوع هي مجيء ملكوت الله، وهدم قدرة الشيطان، كما ان المسيح بمعجزاته اعاد باختصار العهد القديم، واقام عدالة الله، وبالتالي هي فعل طاعة، وهي علامات للايمان تظهر من خلالها قدرة الله، وان الله في يسوع كان في الميدان، وانه عمل فيه لخلاص الانسان والعالم.

ان موت يسوع بعذاب الصليب هو من اكثر الوقائع تأكدا في تاريخ يسوع، ولكن صعوبة تحديد تاريخ الصلب أكبر، ولكنه وقع في يوم الجمعة من اسبوع الفصح اليهودي كما اتفق الانجليون الاربعة. لقد صلب يسوع كمتمرد سياسي، ومحطم للشرائع، وهذا ما يشهد عليه عنوان الصليب- ملك اليهود- ولكن موت يسوع لم يكن عمل اليهود والرومانيين فحسب ، بل عمل خلاص الله، وتضحية يسوع بذلك طوعا، وهو النتيجة القصوى لموقفه الشجاع، وهذا الموت هو الوجه الاخرلمجيء ملكوت الله في المحبة، وتحقيق ربوبية الله في العجز البشري، والغنى بالفقر، والمحبة بالتخلي، والحياة في الموت، وان المدلول لهذا الموت انه خلاصي، وتكفيري، ولاجل الجميع، وباختصار فان موت يسوع هو خلاصة وجوهر عمله باجمعه.

ان اساس الايمان بقيامة يسوع من القبر يستند الى اعلان تلاميذه بان الله اقامه، وان الذي صلب اظهر ذاته حيا، وكان كل شهود القيامة على استعداد الى الذهاب الى الموت في سبيل شهادتهم، كما ان الايمان بالقيامة قد تولد من اكتشاف القبر الخالي، وبشارة الملائكة، وظهورات القائم من الموت، وبالتالي اذا كنا مستعدين كالرسل الاوائل بان ندع المسيح يستولي علينا، والايمان بالمسيح من خلال شهاداتهم المنقولة في الكنيسة ندرك حقيقة قيامة يسوع، وحضوره الدائم في التاريخ بفضل الكنيسة الرسولية.

ان الايمان بقيامة يسوع هو التعبير الاساسي الاهم عن الايمان، وهو مرتبط بقدرة الله الخلاقة وأمانته، ويرتكز بالتالي على الايمان بالوهية الله وان الوهية الله لا تتجلى الا في قيامة يسوع، كما ان هناك ترابطا بين قيامة يسوع وصعوده حسب شهادات كل كتابات العهد الجديد.

ان الاعتراف ببنوة يسوع الالهية تعتبر الخاصية المميزة للمسيحية، فالله قد تجلى في يسوع المسيح وابلغ عن ذاته تماما بطريقة فريدة ونهائية ليس لها مثيل، ولا يمكن تجاوزها، لذلك فالاعتراف بيسوع المسيح ابنا لله هو امر اساسي وخاص في الايمان المسيحي كله، ومصير الايمان المسيحي مرتبط بالاعتراف بيسوع ابنا لله، وليس ذلك فحسب بل بان يسوع هو ابن الله منذ الازل، وانه ابن الله ملء الزمن، وهذا هو لب التقليد المسيحي.

ان يسوع المسيح هو انسان حقيقي، ولد من امراة بشرية، وكبر وجاع وعطش وتعب وفرح وحزن واحب وغضب واخيرا مات، والعهد الجديد واضح في ذلك، ومن هنا نستطيع ان نقول بان يسوع ابن البشر، كما ان يسوع المسيح هو انسان كامل، وله نفس بشرية، ووضع نفسه تحت علامة الطاعة حتى الموت محققا مشيئة الاب ومتمما رسالته، كما ان يسوع الانسان جاء لاجل الاخرين محققا تضامن الله مع البشر في الخلاص ومرسخا المحبة المسيحية التي هي على مثال محبة الله تقبل كل انسان بلا قيد او شرط في سبيل حرية هذا الانسان.

ان وحدة الله والانسان في يسوع هي من التاكيدات المسيحانية الاساسية في الكتاب، فما تحقق في يسوع الارضي اظهر تماما بالفصح وهو مصوغ بوضوح في قانون الايمان، وان الاعتراف العقائدي بان يسوع هو شخص واحد، اله حق وانسان حق، لا يزال يفرض نفسه، وهو تفسير جيد للكتاب، ونتيجة هامة من نتائج مجمعا خلقيدونية والقسطنطينية لعيقدة الطبيعتين الالهية والبشرية.

واخيرا يجب الا تفهم الكنيسة على انها مذهب مغلق بل عليها ان تقبل المبادلة الروحية، واللقاءات الفكرية مع العالم، مع التاكيد على انه بيسوع المسيح فقط تحققت امال البشرية بصورة وحيدة وفائضة.

نقلا عن موقع ابونا