الكتاب المسيحي

سر الشفاء (مسحة المرضى) معناه وغايته في الإيمان الأرثوذوكسي – الاب الكسندر شميمن

 سر الشفاء (مسحة المرضى) معناه وغايته في الإيمان الأرثوذوكسي – الاب الكسندر شميمن

 سر الشفاء (مسحة المرضى)
سر الشفاء (مسحة المرضى)

 سر الشفاء (مسحة المرضى) معناه وغايته في الإيمان الأرثوذوكسي – الاب الكسندر شميمن

يجب أن نكتشف النظرة السرائرية لحياة الإنسان، تلك النظرة غير المتغيرة، والتي هي دائماً مواكبة للعصر … فالكنيسة تعتبر الشفاء سر. ولكن هناك سوء فهم استمر لقرون طويلة باعتبار الكنيسة: “دين”. سوء فهم عانت منه كل الأسرار، وتعاني منه كل عقيدة “الأسرار” ذاتها. في حين أن سر الزيت [مسحة المرضى] هو في الواقع سر الموت ! … حيث يُفتَح للإنسان ليس أكثر ولا أقل من ممر آمن للأبدية [على الأرض].

هناك خطر: أن اليوم، مع الاهتمام المتزايد بالعلاج بين المسيحيين، أن يُسَاء فهم السر [سر مسحة المرضى]، على أنه سر للصحة [للحصول على الصحة]، وكأنه مكمل مفيد للطب الدنيوي … [بينما] السر، كما نعرفه، هو دائما معبر وتحول. ليس معبر إلى ما هو خارق للطبيعة [لحدوث معجزة]، بل معبر إلى ملكوت الله، إلى العالم الآتي، إلى حقيقة هذا العالم، وإلى حقيقة حياة العالم المفدية والمُستَعَادة [لصورتها الأولى] بواسطة المسيح.

إنه ليس تحول الطبيعة لما هو خارق للطبيعة [اعجازي]، بل تحول القديم إلى الجديد. فالسر [سر مسحة المرضى] ليس معجزة من خلاله يكسر الله قوانين الطبيعة، بل هو تجلى للحقيقة المطلقة عن هذا العالم وتلك الحياة، عن الانسان والطبيعة، عن الحقيقة التي هي: “المسيح”. فالشفاء هو سر، لأن غايته أو نهايته ليست التعافي، ولا غايته أو نهايته استعادة الصحة البدنية، بل هو سر لأن فيه دخول الإنسان إلى داخل حياة الملكوت: إلى داخل السعادة والسلام الخاص بالروح القدس. في المسيح، كل شئ في هذا العالم، سواء صحة أو مرض، سعادة أو معاناة، أصبح الكل صعوداً ودخولاً في تلك الحياة الجديدة: المتوقعة [في الحياة الحالية]، والمرتقبة [في الحياة الآتية].

في هذه الحياة، المعاناة والمرض بلا شك هي أشياء [نعتبرها]: “طبيعية”، ولكن طبيعيتها ذاتها أمر غير طبيعي ! فهذا يكشف الهزيمة المطلقة والدائمة للإنسان وللحياة، هزيمة برغم روعة واعجاز الطب في انتصاراته الجزئية، فإنه لا يمكنه أن ينتصر علي المعاناة والمرض انتصار مطلق. في حين أن في المسيح، المعاناة لن تزول، بل تتحول لانتصار ! الهزيمة تصير ذاتها انتصاراً ! تصير الهزيمة طريق ومدخل إلى الملكوت، وهذا هو الشفاء الحقيقي الوحيد.

هنا إنسان يعاني على سريره من الألم، وتأتيه الكنيسة وتعمل سر الشفاء [سر مسحة المرضى]. لهذا الرجل، ولكل رجل في العالم كله، المعاناة من الممكن أن تكون له “هزيمة”، عن طريق الاستسلام الكلي للظلام واليأس والعزلة. يمكن أن تكون له “موت” بالمعنى الحقيقي للكلمة. ويمكن أيضاً أن تكون المعاناة انتصاراً مطلقاً للإنسان، وانتصاراً للحياة في الإنسان.

فالكنيسة لا تأتي لتعيد الصحة إلى هذا الانسان، ولا لكي تكون ببساطة بديل للعلاج حين يستنفذ الطب كل وسائله. بل الكنيسة تأتي لتأخذ الإنسان إلى حب ونور وحياة المسيح. تأتي ليس لمجرد أن تريحه من معاناة ولا لكي تساعده، ولكن لكي تجعل الإنسان: “شهيد”، وتجعله شاهد للمسيح في قمة معاناته. فالشهيد هو من يرى السماوات مفتوحة وابن الإنسان واقف عن يمين الله. الشهيد هو الذي الله له ليس أمل آخر أو أخير لإيقاف الألم الفظيع. بل الله له هو الحياة الحقيقة، ولهذا فكل شئ في حياته ينتهي إلى الله، ويصعد لملء الحب.

اللاهوتي الأرثوذوكسي الأب Alexander Schmemann
عميد معهد القديس فلاديمير للدراسات اللاهوتية
عن كتاب: O Death, Where Is Thy Sting
فصل: Trampling Down Death by Death
نقلا عن ا / اشرف بشير