الكتاب المسيحي

قراءة و تلخيص في كتاب رب علمنا أن نصلي للبابا بندكتوس ال 16 إعداد د. عدلي قندح

قراءة و تلخيص في كتاب رب علمنا أن نصلي للبابا بندكتوس ال 16  إعداد د. عدلي قندح

قراءة و تلخيص في كتاب رب علمنا أن نصلي
قراءة و تلخيص في كتاب رب علمنا أن نصلي

قراءة و تلخيص في كتاب رب علمنا أن نصلي

  إعداد د. عدلي قندح

ما وقع كتاب “رب، علمنا أن نصلي” بين يدي حتى انكببت عليه بالقراءة والتمعن والتفكير بكل كلمة وكل جملة فيه ولتعميم الفائدة قمت بتلخيص مجمل الفصول الثمانية والعشرين بالصفحات القليلة التالية، علني أساعد الجميع على معرفة محتوياته وأشجع من لديهم حبا للقراءة المفيدة لقراءته كاملاً فهو من 176 صفحة من القطع المتوسط. النتيجة التي يريدنا أن نصلها قداسة البابا هي: أن الإنسان بطبعه متدين لأن الله خلقه، وقلبه مولع بالصلاة لخالقه، وصيغ الصلاة، كما يقدمها لنا البابا متنوعة؛ فمنها الابتهال والشفاعة والبركة، وكلها يفسرها البابا بندكتس السادس عشر ببراعة وعمق وذكاء من خلال بعض شخصيات الكتاب المقدس من إبراهيم إلى يعقوب إلى موسى وإيليا، مروراً بالمزامير، كتاب الصلاة بامتياز، وانتهاء بصلوات يسوع المسيح في مختلف مراحل حياته بالتركيز على آخر خمسة منها. أما استعدادات ومتطلبات الصلاة الحقيقية فهي: نقاوة القلب الذي يطلب الملكوت والذي يغفر للأعداء، والثقة البنيوية الجريئة إلى ابعد ما نحس وندرك، والسهر الذي يحمي التلميذ من التجربة.

 

وفيما يلي خلاصة لكافة أجزاء الكتاب:

 

1- الإنسان وقت الصلاة: الصلوات موجودة في الثقافات القديمة، في مصر القديمة في وبلاد ما بين النهرين، ولدى الوثنية اليونانية وعند الرومان. إنسان كل الأزمنة يصلي لأنه لا يمكن أن يضع جانبا التساؤل عن معنى وجوده، الذي يبقى مظلماً ومحبطاً أن لم يوضع في علاقة بسر الله ومشروعه للعالم.

 

2- الصلاة والحس الديني: هنالك دلائل كثيرة تشير لنا بصحوة الحس الديني. الإنسان بطبيعته ديني homo religious. فتوما الاكويني يقول أن الصلاة تعبير عن رغبة الإنسان في الله. والصلاة تعني الشعور بأن معنى العالم هو خارج العالم وأحد تعابير الصلاة النموذجية الركوع.

 

3- شفاعة إبراهيم: مسيرة الكتاب المقدس ترشدنا إلى التعمق في حوار العهد بين الله والإنسان الذي يحيى تاريخ الخلاص حتى الذروة، إلى الكلمة الأخيرة التي هي يسوع المسيح.. وقد تجلت رحمة الله، الذي يصغي بصبر إلى الصلاة، يتقبلها ويكرر إني اصفح لا اهلك ولا افعل. وداخل الواقع السقيم تتواجد بذرة خير يمكنها أن تشفي وتعيد الحياة. يكفي بار واحد لخلاص أورشليم (ارميا) ويجب أن يصبح الله نفسه ذلك البار، وهذا هو سر التجسد، حينئذ ستجد صلاة كل إنسان جواباً لها.

 

4- صراع يعقوب مع الله: حياتنا ليلة طويلة من الصراع والصلاة. علينا أن نقضيها في رغبة وطلبة البركة من الله، نفوز بها بتواضع منه تعالى كهبة مجانية تسمح لنا أخيرا بالتعرف على وجه الرب.

 

5- موسى يلتمس الغفران لشعبه: يركز موسى بتضرعه على أمانة الله ونعمته ويشير إلى تاريخ الخلاص الذي بدأه الله مع خروج إسرائيل من مصر.

 

6- ايليا يصلي من أجل توبة إسرائيل: إيليا يقول: “الرب هو إلهي”، والصراع هو بين الصلاة للإله الحقيقي غير المنظور وليس للإله المنظور غير الحقيقي. أولوية الصلاة هي أن نعبد الله وحده. والهدف من الصلاة هو التوبة. وقصة إيليا مستبقة للأحداث وتشير إلى المستقبل الذي هو المسيح… نار الله الحقيقية هي المحبة التي تقود إلى الرب إلى الصليب إلى البذل الكامل بذل الذات لله وللبشر.

 

7- سفر المزامير كتاب صلاة: سفر المزامير كتاب صلاة بامتياز يحتوي على 150 مزموراً وهو تعبير عن التجربة الإنسانية بأوجهها المتعددة وعن درجات المشاعر التي ترافق وجود الإنسان. في المزامير يتشابك ويعبر عن الفرح والمعاناة، عن رغبة الله وإدراك عدم جدارتنا، عن السعادة والتوكل عن الثقة بالله والوحدة المؤلمة. المزامير توسل وحمد، المزامير مدرسة صلاة. والصلاة هي الرد الأنسب أمام إظهار الرب لنفسه. داوود كان مصلياً شغوفاً. وكتاب المزامير يكلمنا عن الله غير المنظور، الذي تكشف بشكل كامل في شخص السيد المسيح، لذلك فإننا نصلي في المسيح ومع المسيح.

 

8- مطالعة الكتاب المقدس: نحن مخلوقين ليس للعمل فقط بل أيضاً للتفكير والتأمل. الكتب المقدسة مكتبة صغيرة تشكلت خلال 1000 عام. أوقات الفراغ يجب أن تصبح قوتاً للروح قادرة على تغذية معرفة الله والحوار معه، أي للصلاة.

 

9- أهمية الصمت للصلاة: الصمت هو الشرط البيئي الذي يشجع بشكل أفضل على الاختلاء بالذات والإصغاء إلى الله والتأمل. ايليا تعرف على صوت الله في النسيم اللطيف وليس في الريح العظيمة والزلزال.

 

10- الصلاة الذهنية: الصلاة الذهنية، أي التأمل، هي مظهر صغير من حياة الصلاة التي هي حياة التواصل مع الله. التأمل اتصال فكرنا مع قلب الله. مريم العذراء هي مثلنا في التأمل فقد كانت تحفظ وتتأمل في قلبها. سر التجسد أمر عظيم جداً يتطلب استيعاب داخلي. التأمل يعني تغذية الحياة الروحية والصلة مع الله. التأمل قد يكون بأحد أجزاء الكتاب المقدس. الثبات في إعطاء الوقت لله من خلال التأمل هو عنصر أساسي للنمو الروحي.

 

11- الفن والصلاة: والفن أحدى القنوات التي يمكنها أن تقودنا إلى الله. الفن باب مفتوح على المتناهي. إن الكنائس والمباني الرائعة تختزن إيمان الأجيال. والاستماع إلى ترتيلة قد تشعرنا بحضور الله.

 

12- قم يا رب خلصني يا الهي (المزمور 3): يؤسس المزمور 3 اليقين بوجود الله. داوود يفر هاربا من ابنه ابشالوم الذي انقلب على عرشه. الاعتداء على المؤمنين يكون أقصاه عندما يكون النواة المركزية لروح صاحب المزمور، أي على الإيمان بوجود الله، والثقة بقرب الله، التجربة ضد الإيمان. الصلاة يجب أن تبدأ بيقين وجود الله الذي أُختُبِرَ سابقاً وصدق، الإيمان بملء الاستجابة الخلاصية. صلاة يسوع على الصليب وقناعة من صلبوه بأن الله تركه ولن يستجيب له تكتمل بتحقيق الخلاص النهائي، ويتبعها القيامة بعد أن ظهر صالبوا المسيح أنهم انتصروا!! لكن يجب أن نتعلم كيف نتعرف على حضور الله ونقبل طرقه.

 

13- الهي إلهي لماذا تركتني؟ (المزمور 21): هو مزمور ذي تبعات كريستولوجية. صلاة أليمة مؤثرة ذات عمق إنساني. يصمت الله. صرخة يسوع على الصليب صرخة ليست يائسة، تتفتح على يقين المجد. استغاثة الشعب يقابلها استجابة خلاصية من الله. صراخ يسوع وغياب الله الظاهري بالنسبة للأعداء يقابله إيمان وأمل من المصلي، والذي يخيف المصلي قرب الأعداء وليس بُعد الله. صرخة المصلي تفتح أبواب السماء، ولأنها تُعلن عن إيمان فتتحول صرخة الصلاة إلى تسابيح.

 

14- الرب راعي فما من شيء يعوزني (المزمور 22): رافقت صور المزمور بغناها وعمقها كل تاريخ شعب إسرائيل وخبرته الدينية: الخروج، الرحلة الطويلة في الصحراء، كقطيع تحت قيادة العناية الإلهية، وفي أرض الميعاد، قبل داوود الذي هو صورة المسيح الراعي الصالح الذي يقودنا إلى الحياة، والوليمة السخية المسيحانية في السماء، يدعونا المزمور إلى تجديد ثقتنا بالله، فالسير وراء الراعي الصالح سيشعرنا بطمأنينة بسبب صوت العصا المألوف التي تضرب الأرض مشيرة إلى الوجود الدائم المطمئن للراعي، الذي سيقودنا إلى منزله ويوردنا إلى مياه الراحة الأبدية ويجلسنا على مائدته. وقوة استدعاء المزمور تصل اكتمالها في الرب يسوع المسيح وتجد فيه معناها بالملء، فيسوع الراعي الصالح الذي يهتم بالخروف الضال والذي يعرف ويبذل نفسه من اجله، فلنصلِ بإيمان وثقة أن يمنحنا الرب أن نسير دائما على دروبه كقطيع وديع مطيع لكي يستقبلنا في منزله وعلى مائدته.

 

15- الفرح بروائع الله (المزمور 125): ينبغي أن ننظر أكثر في صلاتنا كيف أن الرب قد حمانا في أحداث حياتنا وساندنا فنسبحه لما قام به من أجلنا. الله خلق لنا ذاكرة للخير تساعدنا في الساعات المظلمة… يجب أن نظل في صلاتنا دوماً منفتحين على الأمل وراسخين في الإيمان بالله. فالزرع تصحبه الدموع لأننا نرمي بما يمكنه أن يصير خبزاً ولدينا الشكوك أين ستقع البذور. فهل ستأكلها الطيور؟ أم هل ستترسخ وتتجذر وتصير سنبلة؟ أن رمي البذور هو فعل ثقة وأمل يتبعه انتظار، وخطر الفشل متربص دائماً (نتيجة عدم هطول المطر مثلاً) ومع ذلك يكرر المزارع الكرة مرة بعد أخرى وعندما تصبح البذور سنابل وتمتلئ الحقول بغلات ويأتي موسم الحصاد هناك يطلع فرح من يقف أمام معجزة خارقة. انه سر الحياة الخفي. الناس تجهل هذا السر. وهناك يظهر التدخل الإلهي الخفي. كان يسوع يعرف هذه التجربة جيداً ويتكلم عنها بالأمثال. يعلمنا المزمور أن يجب علينا في صلاتنا أن نظل دوماً منفتحين على الأمل وراسخين في الإيمان بالله. فتاريخنا، على الرغم من أنه يتميز في كثير من الأحيان بالألم والشكوك وأوقات الأزمات، هو تاريخ خلاص. فآلام الزرع ليست إلا بداية الحياة الجديدة بداية الفرح الكبير والنهائي مع الله.

 

16- هلل الكبيرة (المزمور 135): يلخص المزمور تاريخ الخلاص الذي يشهد لنا به العهد القديم، الخلق، والتحرر، هبة الأرض، عون الرب. الخلق هو هبة الله العظيمة ويتبع الخلق تاريخ الخلاص. فالمزمور هو صلاة كران احتفالية معروفة باسم “هلل الكبيرة” أو “الحمدلة الكبيرة”. فقد جعلنا المزمور 136 المبارك نسترجع المراحل الأهم في تاريخ الخلاص حتى الوصول إلى السر الفصحي حيث يصل عمل الله الخلاصي إلى قمته.

 

17- نشيد الشريعة الكبير (المزمور 118): المزمور نشيد ضخم واحتفالي حول توراة الرب (شريعته) فهي عطية نعمة، تجعلنا أحراراً وتؤدي إلى السعادة. تنبع أمانة صاحب المزمور من الإصغاء إلى الكلمة، مثل مريم، التي تُحقق تماماً صورة المؤمن المثالية. فالمسيح قال طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها. تتطلب شريعة الله إصغاء القلب، وكمال الشريعة هو إتباع يسوع.

 

18- المسيح الملك (المزمور 109): المزمور 109 ذكره يسوع بنفسه وتكلم عنه كتاب العهد الجديد وفيه إشارة إلى المسيح، وهو من المزامير الملكية، وقد ذكره بطرس في خطابه يوم العنصرة معلناً أن تنصيب الملك هذا يتحقق في قيامة المسيح وأن المسيح يجلس منذ الآن عن يمين الآب ويشارك سيادة الله العالم. وهو ليس خلفا لداوود الملك، بل هو داوود الجديد، ابن الله الذي انتصر على الموت، ويشارك حقاً في مجد الله، أنه ملكنا الذي يهبنا الحياة الأبدية. المسيح الذي يحمل إلى الشعب الحياة الإلهية وهو وسيط القداسة والخلاص. فالملك الذي ينشده صاحب المزمور هو في نهاية المطاف المسيح، المسيا الذي يؤسس ملكوت الله ويتغلب على قوى العالم، أنه الكلمة المولود من الآب قبل كل مخلوق قبل مطلع الفجر، الابن المتجسد الذي مات ثم قام وهو جالس في السموات وهو الكاهن الأبدي الذي يمنح في سر الخبز والخمر غفران الخطايا والمصالحة مع الله الذي يرفع رأسه منتصراً على الموت بقيامته. حين نصلي هذا المزمور فلنطلب من الرب القدرة على أن نتابع نحن أيضاً السير على طرقه في إتباع يسوع ونحن على استعداد للصعود معه إلى جبل الصليب للوصول معه إلى المجد والتأمل فيه جالسا عن يمين الآب ملكاً منتصراً وكاهناً رحوماً يمنح الغفران والخلاص لجميع البشر. وسنجد في الأجزاء القادمة أن يسوع كان يصلي من خلال المزامير، فهي كتب صلاة، والكنيسة تستخدم مزامير الحمد في الصباح وصلوات الغروب في المساء وصلاة آخر المساء قبل النوم، وهي دعوة لنا للتعود على استعمال لترجيا صلوات الكنيسة.

 

19- الصلاة من خلال حياة يسوع بكاملها: صلاة يسوع ترافق كل حياته من المعمودية وقبلها مع أمه ومربيه يوسف. فالصلاة تواصل مستمر مع الله الآب لتحقيق مشروع المحبة للبشر حتى النهاية. الصلاة اتحاد قيم مع الله. يجب أن نتعلم في الصلاة الدخول في تاريخ الخلاص حيث يسوع هو الرأس. لنطلب منه القوة لمطابقة إرادته بإرادتنا. عندما تتعقد وتلح القرارات تطول الصلاة وتعمُق: الاستماع، التأمل والصمت أمام الرب الذي يتكلم هو فن نتعلمه من خلال ممارسته بثبات واستمرارية ومثابرة من قبلنا. فلنرب أنفسنا على علاقة عميقة مع الله، مليئة بالثقة قادرة على تنوير حياتنا ونقلها لمن حولنا.

 

20- جوهرة نشيد الابتهاج: يركز هذا الجزء على صلاة يسوع المسماة نشيد الابتهاج (متى 10: 25-30 ولوقا 10: 21-22) والتي تبدأ بأحمدك وهو فعل يدل على الاعتراف الصادق والموافقة على عمل الله الآب. المعرفة المسبقة لله الآب من قبل المسيح توصل إلى الشراكة معه. صلاة يسوع هي في اعتناق قلبه البشري المحب لسر مشيئة الآب. وهذا واضح في صلاة الأبانا. فنحن بحاجة للآب لأننا لا نستطيع بناء حياتنا من دونه. فصلاتنا تفتح الباب لله وتعلمنا أن نخرج باستمرار من ذواتنا لنتمكن من أن نقترب من الآخرين.

 

21- الصلاة تجاه عمل الله المُنعِم الشافي: صلاة يسوع تظهر دائماً العلاقة الفريدة في المعرفة والشراكة التي تربطه بالآب. الشراكة الإنسانية مع المريض تحمل يسوع على الصلاة. لنتذكر دائماً أن المعطي أفضل من العطية، وأفضل عطية من المعطي هي صداقته ووجوده ومحبته. انه الكنز الثمين الذي يجدر طلبه والحفاظ عليه دوماً. يريد يسوع في صلاته أن يقودنا إلى الإيمان وللثقة الكاملة بالله وبمشيته (لتكن مشيئتك) والصلاة دائما تفتح أبواب السماء وتفتح الباب لله وتقربنا من الآخرين.

 

22- الصلاة والعائلة المقدسة في الناصرة: الصلاة تشكل جزءاً من حياة العائلة المقدسة في الناصرة، فبيت الناصرة يمثل مدرسة صلاة نتعلم فيها الإصغاء والتأمل وولوج المعنى العميق لتجلي أبن الله مستهدين بمثال مريم ويوسف ويسوع. تعلمنا العائلة المقدسة الصمت بحضور الله لأن الصلاة لقاء مع الله. وصلاة السبحة الوردية، على خطى الطوباوي يوحنا بولس الثاني، عبارة عن تأمل عميق بأسرار المسيح باتحاد روحي مع والده الآب. يوسف علم يسوع الصلاة في المنزل والعمل والمجمع اليهودي والهيكل…ويعلمنا بعد ذلك يسوع أن الصلاة هي اتحاد مع الآب. عائلة الناصرة هي النموذج الأول للكنيسة. والعائلة المقدسة في الناصرة هي أيقونة الكنيسة المنزلية وهي أول مدرسة للصلاة.

 

الأجزاء الخمسة القادمة تعلمنا خمسة أنواع لصلوات يسوع المسيح:

 

23- صلاة يسوع في العشاء الأخير: في هذا المشهد يتطلع يسوع إلى آلامه وموته وقيامته القريبة. وقد أراد أن يعيش العشاء الأخير بطريقة مختلفة عن الولائم الأخرى، فهذا هو عشاؤه هو. بالنسبة إلى يوحنا مات يسوع على الصليب في اللحظة عينها التي كانت تجري فيها تقدمة قرابين حملان الفصح في هيكل أورشليم. إن جوهر هذا العشاء هو حركات كسر الخبز وتوزيعه وتقاسم كأس الخمر مع الكلمات التي ترافقها. إنها تأسيس الإفخارستيا. إنها الصلاة الكبرى ليسوع والكنيسة. فقبل كلمات التأسيس تأتي الحركات: حركة كسر الخبز وتقديم الخمر. فالذي يكسر الخبز ويقدم الخمر هو قبل كل شيء رب البيت. العمق الجديد في هذا العشاء أن المسيح يعطي علامة مرئية عن الاستقبال إلى الوليمة الذي يبذل بها الله ذاته. يقدم يسوع في الخبز والخمر ذاته ويناول ذاته. في هبة الخبز والخمر يستبق يسوع موته وقيامته محققاً ما قاله في خطاب الراعي الصالح: إني أبذل حياتي ثم أعود فأرتجعها، فهو وفيٌ حتى النهاية لرسالته في المحبة الكاملة وفي التقدمة بالطاعة للآب. وفي ذلك العشاء يصلي يسوع من أجل أحبائه في تلك الليلة. يصل يسوع بادئاً من صلاة الشكران والبركة إلى الهبة الإفخارستية إلى بذل ذاته. وتستجيب الكنيسة، منذ تلك اللحظة وبعد قيامة المسيح وصعوده في الإفخارستيا، لطلب يسوع عندما قال: اصنعوا هذا لذكري. صلاة الإفخارستيا تعني أن نتحد بصلاة يسوع ومع يسوع.

 

24- صلاة يسوع الكهنوتية: إنها صلاة حبرنا الأعظم. الصلاة التي يقوم بها يسوع لنفسه هي طلب تمجيد ذاته. إنها في الواقع أكثر من طلب وإعلان الاستعداد الكامل لدخول بحرية وسخاء في مشروع الله الآب الذي يكتمل بتسليمه وموته وقيامته وقد بدأت الساعة بخيانة يهوذا. وستبلغ ذروتها في صعود يسوع القائم من الموت إلى الأب. فقد علق يسوع على خروج يهوذا من علية صهيون فقال: الآن تمجد ابن البشر وتمجد الله فيه. يا أبت قد أتت الساعة فمجد ابنك لكي يمجدك ابنك. والمقطع الثاني من الصلاة هو طلب يسوع الشفاعة لتلاميذه الذين كانوا معه: لقد أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتهم لي من وسط العالم. أنهم كانوا لك وأنت أعطيتهم لي وقد حفظوا كلمتك (يوحنا 17: 6). ويتحقق هذا الإظهار في تجسد الكلمة مع يسوع، دخل الله الجسد البشري. وبلغ حضور الله ذروته في الذبيحة التي يقوم بها يسوع في فصح موته وقيامته. وفي الجزء الثالث من هذه الصلاة الكهنوتية يتحول نظر يسوع إلى نهاية الأزمنة ليشفع في جميع الذين سيقادون إلى الإيمان (يوحنا 17: 20) من خلال الرسالة التي أطلقها الرسل والتي تستمر في التاريخ. إن المطلب المركزي في صلاة يسوع الكهنوتية المخصصة لتلاميذه في جميع الأزمنة هو صلاة الوحدة المستقبلية بين جميع الذين سيؤمنون به: ليكونوا كلهم واحداً مثلما أنت في أيها الآب وأنا فيك فليكونوا هم أيضاً فينا (يوحنا 17: 21). إذاً في صلاة يسوع الكهنوتية يتم تأسيس الكنيسة لتعيش الرسالة التي أوكلت إليها كي يؤمن العالم بالابن وبالآب الذي أرسله وندخل جميعا في المشروع الذي حمله لكل واحد فينا.

 

25- صلاة يسوع في جتسماني: مشهد صلاة يسوع في جبل الزيتون بعد العشاء الأخير كان مختلفاً من حيث أنه أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا… وهم أنفسهم كانوا معه على جبل التجلي. يقول يسوع للتلاميذ الثلاثة الذين كانوا معه: “نفسي حزينة حتى الموت”. وهذا يذكر بمشهد موسى وايليا النبي، حيث كان يشعر بالخوف والكآبة في تلك الساعة ويختبر الوحدة العميقة الأخيرة فيما كان مشروع الله يتحقق. سقط يسوع ووجهه صوب الأرض وهو مشهد صلاة يعبر عن الطاعة لمشيئة الآب وتسليم الذات بالثقة الكاملة به. أنه حركة تتكرر في بداية كل احتفال بالآلام يوم الجمعة العظيمة وكذلك الاعتراف الرهباني وسيامة الشمامسة والكهنة والأساقفة للتعبير في الصلاة جسدياً أيضاً على الاعتماد الكامل على الله والثقة به. ونحن نطلب كل يوم من الرب في صلاة الأبانا: لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء… فلنحمل إلى هذه الأرض قليلاً من سماء الله.

 

26- صلاة يسوع أمام الموت (في مرقس ومتى): ينادي يسوع “إلهي إلهي لماذا تركتني؟”، استخدم يسوع مقاطع من المزامير في الكثير من صلواته لأن المزامير كتب صلاة بامتياز… ولم يفهم الذين سمعوا هذا الصراخ معناه. وما نريد التأكيد عليه هو أن مشهد الصلب مر في ثلاثة مراحل ومنها مرحلة الظلام الذي ساد. وصرخة يسوع في الظلام يعني أنه واثق أن الآب حاضر ويسمعه، ومن هنا يجب أن نكون مقتنعين بأن الله قريب منا في أحلك الظروف على الرغم من كونه يصمت ظاهرياً. المسيح مدرك تماما أن صرخته ستستجاب في القيامة. لذا تتضمن صلاة يسوع هذه الثقة القصوى والتسليم في يدي الله حتى عندما يبدو غائباً وحتى عندما يبدو ملتزماً الصمت وفقاً لمشروع لا نفهمه نحن. لنحمل في الصلاة إلى الله صلباننا اليومية مع اليقين بأنه تعالى حاضر وينصت إلينا ولا يتخلى عنا أبداً.

 

27- صلاة يسوع لدى دنو الموت (حسب لوقا): يبين لنا لوقا أن يسوع صلى ثلاث مرات. الأولى: “اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون!”، وهي صلاة للتشفع إذ يطلب الصفح عن جلاديه. وهذه الصلاة استخدمها أول شهداء المسيحية القديس اسطفانس. الكلمة الثانية للمسيح: “الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس”، وهي تعني أن طيبة الله قد تمسنا في أخر لحظة من حياتنا. والصلاة الأخيرة هي: “يا أبتاه في يديك استودع روحي” (وهي من مزمور 31). أن موت يسوع يمثل بداية عبادة جديدة في هيكلٍ ليس مبنياً من البشر، لأن جسد يسوع نفسه المائت والقائم من الموت يجمع الشعوب ويوحدها في سر تجسده ودمه. المسيح ابن البشر سلم نفسه إلى أيدي الناس وفي صلاته الأخيرة سلم روحه بين يدي الآب. ومكنون الصلاة الربية التي علمنا إياها يسوع تصب في مجمل صلواته التي صلاها علنا لوحده وأمام تلاميذه وأمام صالبيه. وتسيلم روحه بين يدي الآب يعطينا اليقين بأننا وعلى الرغم من التجارب والمشاكل الصعبة والمعاناة الشديدة لن نسقط أبدا خارج يدي الله.

 

28- الصلاة والصمت، يسوع معلم صلاة: الكلمة يصمت ويصبح الصمت مميتاً لأن الكلمة نُطِقَ بها حتى الصمت. الله يتكلم من خلال الصمت. الصمت الداخلي والخارجي ضروري كي نتمكن من سماع الكلمة. يعلمنا التقليد الآبائي الكبير أن أسرار المسيح مرتبطة بالصمت، وبه وحده يمكن للكلمة أن تجد مسكنا فينا كما حدث بالنسبة إلى مريم امرأة الكلمة والصمت معاً. من دون الصمت لا نسمع ولا نصغي ولا نتلقى أية كلمة. ما زالت صالحة ملاحظة القديس أغسطينوس: “عندما تنمو كلمة الله ينقص كلام البشر”. ولكن ماذا نقول عن صمت الله؟! أمام صمت الله نختبر ما يشبه الشعور بالتخلي، يبدو لنا أن الله لا يسمعنا ولا يجيبنا. لكن صمت الله هذا لا يعني غيابه.

كتب اخرى للبابا بندكتورس (الكاردينال جوزيف راتسنجر):

1-كتاب مدخل الى الايمان المسيحي  البابا بندكتورس (جوزيف راتسنجر)

اضغط هنا للتحميل

2-كتاب يسوع الناصري – ج3 طفولة يسوع – البابا بندكتورس (جوزيف راتسنجر) 

 اضغط هنا للتحميل 

3-كتاب ملح الارض – البابا بندكتوس السادس عشر (جوزيف راتسينجر) 

 اضغط هنا للتحميل 

4-قراءة في كتاب مدخل الى الايمان المسيحي – البابا بندكتورس (جوزيف راتسنجر)

 رابط المقال