بمناسبة توزيع لفظ شهيد مؤخرًا على حسب التبعيَّة الشخصية!ا

بحث أكاديمي في مفهوم الاستشهاد وتطور سير الاستشهاد القبطية عبر العصور:-

مين هو الشهيد؟

مفهوم الشهادة تطورعبر العصور حتى وصل إلى ارتباطه بسفك الدماء.
كانت الشهادة في كتابات العهد الجديد والكنيسة المبكرة هو تعبير μάρτυς بمعنى (شاهد)
يعني شاهد لأمر ما أو كالشهادة للحق، والشهادة لآلام الرب وقيامته.
ومكنش مرتبط الا ف مواضع بسيطة ذكر لفظ الشهادة بمعنى الموت وسفك الدماء.
ومع القرن الثاني وازدياد حالة الاضطهاد لكل مسيحي يعلن إيمانه بالمسيح، أرتبط المعنى بمفهومه المعروف وهو الشهادة للمسيح/للحق + الموت في سبيل الشهادة دي.

يعني اختصارًا لفظ الشهادة في الكنيسة المبكرة هو المجاهرة بالحق والكرازة بتعليم المسيح وغالبًا ما تُتبع الشهادة دي للمخاطر أو الآلام أو حتى للموت.

فالشهيد بهذا المفهوم يُدعى شهيدًا لأنه شهد بالأساس وليس لأجل سفك دمائه، والألم والموت هو نتيجة وليس هو الأصل.

وتطور مع عصر الاضطهاد وارتبط ف الأذهان أن الشهيد هو اللي بيسفك دمه.

إيه هو أدب السيرة؟

المصطلح المعروف في الأوساط الأكاديمية للحديث عن سير القديسين هو (الهاجيوجرافيا) ومعناه الحرفي “الكتابة المقدسة” والمصطلح بيستخدم بشكل خاص لدراسة كل ما يخص القديسين والشهداء وأعمالهم.

ليه الأقباط دوّنوا سير قديسيهم؟

مبدئيًا خلينا عارفين أن الأقباط عملوا تقويم خاص بيهم بسبب تعرضهم للاضطهادات المختلفة على مر العصور، ف كان التقويم ده بمثابة الحفاظ على هويتهم في ظل أي تغيير بيحصل في البلد نتيجة احتلالها
روماني..بيزنطي..فارسي..عربي

والتقويم كان مربوط بعصر الاضطهاد الكبير في عصر دقلديانوس، فأصبح عام الصفر = 284 م (هو عام تولي دقلديانوس الحكم)

والأقباط دونوا السير الخاصة بالقديسين والشهداء لكذا سبب منهم:
أ- تدوين السير في شكل روائي:-

العقل البشري لو شاف فيلم أو عرف حدث في شكل قصة هيتذكره أكثر لو كان مذكور بشكل أكاديمي، زي بالظبط لو شوفنا فيلم هنتذكر أحداث الفيلم أكثر من لو قرأنها كمرجع تاريخي..
وده اللي دفع الأقباط أنهم يدونوا السير دي في شكل قصص روائية.

ب- الأبطال المسيحين أحلى من الأبطال اليونانين:

كان المجتمع الروماني اليوناني مشهور بتدوين سير الأبطال والأباطرة في هيئة أعمال روائية لتخليد ذكراهم، ومع تحول المجتمع إلى المسيحية شعر المسيحين أن الأساطير دي متناسبش حياتهم الدينية أو أنهم يقدروا يحتذوا بيها في حياتهم، فده كان دافع قوي أن الكُتَّاب المسيحين يدونوا السير المسيحية على غرار سير الأبطال اليونانية وتكون أعمالهم حية وتفضل خالدة في كل زمان.

تطور أدب السيرة:

مرت سير الاستشهاد القبطية بمراحل كثيرة جدًا قبل ما توصل للمرحلة اللي موجودة حاليًا، بداية من طريقة الكتابة المختصرة إلى الوصف المطول والتهويل في وصف العذابات والمعونة الإلهية المستمرة وعدم ذكر الضعفات الإنسانية.

*سيرة استفانوس الكاهن:

نقدر نقول كمثال سيرة الشهيد استفانوس الكاهن (القرن 4)
أنها مكتوبة في هيئة سجل محاكمة وبيكون عبارة عن اللي تم في المحاكمة بإيجاز وكانت تدون بدون أي إضافات درامية، وموجود منها في مصر عدت وثائق بتعود لأواخر القرن ال 3 الميلادي.

ومحتوى الوثائق بيكون عبارة عن:
أ-الصيغة الافتتاحية:
اسم الشخص المسؤول عن المحاكمة ورتبته.
تاريخ المحاكمة ومكانها.
أسماء الأطراف (الشهيد + الحاكم)

ب-متن الوثيقة:
تعريف بكل متحدث في الجلسة وقص لأقواله.

ج-منطوق الحكم:
الحكم النهائي الصادر من الشخص المسؤول (الوالي في الغالب) ضد (الشهيد) وبيكون في الغالب الحكم بالموت.

مثال ” في عام كذا في حكم فلان عندما كان فلان والي على كذا، وفي يوم كذا أحضر فلان وتم حبسه لحين احضاره للمحاكمة ليقدم القرابين، قال الوالي كذا..أنت مين؟
قال أنا فلان
منين؟
من كذا
قال الوالي عايزك تبخر للألهة
قاله أنا مسيحي
…الخ حتى منطوق الحكم بدون أي اضافات درامية أو حوارات فلسفية أو وصف مهول للعذابات، وبتنتهي في الغالب أمر فلان بكذا، وأكمل استشهادة بسلام آمين.

*سيرة قلتة الطبيب النسخة الأولى:

ظهر عناصر جديدة في سير الاستشهاد زي
أ- عنوان للسيرة والتعريف بالشهيد في هيئة ديباجة يضعها المؤلف أو الناسخ في مقدمة النص.
ب- ظهر عنصر التوصيف زي (في عهد دقلديانوس الملك المخالف)
ج- الحوار المطول بين الحاكم والشهيد، والاستشهاد باقتباسات من الكتاب المقدس والوعيد والتهديد من الحاكم بالعذابات المختلفة.

*سيرة قلتة الطبيب النسخة الثانية:

دخلت عدة عناصر إضافية على كتابة السير زي
أ- دخل عنصر التعبير عن المشاعر الإنسانية زي (غضب الوالي حينما رفض الشهيد تقديم القرابين).
ب- بدأ يظهر عنصر المبالغة في وصف العذابات للتهويل من الموقف (أحضر الجنود نارًا وحجرًا كبيرًا في الوسط ليعلقوها في رقبة الطوباوي مع كيس مملوء رملًا وباقي أدوات التعذيب)
في حين كانت النسخة الاولى تذكر العذاب ( أحضروا حجر ليعلق في رقبة الشهيد).
ج- ظهور عنصر المعونة الإلهية (أنكسر الوتد وصار نصفين).

أهم عناصر السرد الروائي في السير:

أ- الراوي:
لكل رواية مؤلف موجود حقيقي في التاريخ، وهو اللي بيقوم بجمع كل التفاصيل الممكنة عن روايته سواء من خلال الوثائق الموجودة أو من خلال سماع روايات متداولة عن الشخص اللي هيكتب عنه.
والراوي مش دائمًأ المتكلم بصيغة أنا في الرواية زي مثلًا سيرة الشهيد جرجس الروماني “أنا سينكراتيس عبد القديس جرجس” لكنه كمان ممكن يكون شخصية خيالية من ابتكار المؤلف وبيكون خارق للطبيعة وقادر على معرفة بواطن الأمور حتى لو مكنش حاضر فيها زي مثلًا رؤيته لظهور الملاك أمام فيلوباتير مرقوريوس أثناء الحرب، أو سماعه صلاة البابا بطرس خاتم الشهداء قبل استشهاده.

ب-الشخصية:
في شخصيتين رئيسيتين في سير الشهداء هما البطل X ضد البطل
وبيكون البطل هو الشهيد الشجاع وضد البطل هو الإمبراطور أو الحاكم.

إيه اللي بيميز أدب سير الاستشهاد القبطية؟
أ- الدعوة الإلهية:
أغلب سير الشهداء بتظهر جانب الدعوة الإلهية للشهيد من صغره ونشأته سواء في بيت مسيحي يقومه في الإيمان ف ينعكس ده لما يكبر ويواجه الاضطهاد، أو لو كان وثني وبحثه من صغره على الخالق والحق.
كمان بتظهر الدعوة الإلهية للشهيد بالاستشهاد زي سيرة القديس مينا اللي دعاه الله لنوال الاستشهاد.
وممكن تكون الدعوة بشكل مباشر زي ظهور ملاك أو سماع صوت من السماء، أو تكون دعوة داخلية داخل النفس.

ب- شفاء الجسد الإنساني بشكل مستمر:-
أعتقد أن مفيش حد سمع أو شاف فيلم عن شهيد قبطي الا ولاحظ التركيز على شفاء جسد الشهيد بعد تعرضه للتعذيب بشكل مستمر وبيظن بعض العلماء أن ده بسبب تأثير الفكر المصري القديم عن عدم فساد الجسد في الثقافة المصرية القديمة.

التطور بعد مجمع خلقيدونية:-
يعتبر متغيرش كثير في أدب السير بعد مجمع خلقيدونية ولكن كمثال أصبح يتذكر الأشخاص الرئيسية البطل X ضد البطل
الشهيد X الحاكم الخلقيدوني
وأصبح يتوصف مملكة أبليس بدل من الوثنية بالإيمان الخلقيدوني.